منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

ومن لوازمها المساوية أو الاعم لكي يكون الاستدلال بعدم اللازم على عدم الملزوم كما هو كذلك بالنسبة الى المؤمنية والمنجزية فانه يستدل على عدم الحجية بعدم تحقق المؤمنية والمنجزية.

وبالجملة الاستدلال على الحجية بما دل على حرمة الالتزام وحرمة النسبة امر غير مرتبط اذ ليسا من اللوازم ولكن لا يخفى ان ما استدل به الشيخ (قده) يتم بناء على تتميم الكشف نعم لا يتم على مبنى الاستاد من جعل الحجية.

بيان ذلك هو انه بناء على تتميم الكشف مرجعه إلى جعل الامارة علما ومن الواضح انه لو تعلق العلم بحكم لازمه التعبد به ونسبته الى الشارع فكذا لو تعلقت الامارة بخلاف ما لو قلنا بجعل الحجية الذي هو مبنى الاستناد. فان التعبد والاسناد ليسا من لوازمها فلا يستدل بعدمهما على عدم الحجية.

وبالجملة الخلاف بين الشيخ والاستاذ بحسب المبنى. وكيف كان فما ذكره (قدس‌سره) من ان المنجزية لا تلازم جواز التعبد امر مفروغ عنه كما هو كذلك في ايجاب الاحتياط والظن في باب الانسداد على الحكومة بناء على انه

__________________

الظن حجة عقلا ليس هو كون متعلقه حكما شرعيا إذ ليس وظيفة العقل تشريع الاحكام وانما هو بمعنى الاكتفاء بالاطاعة الظنية عند تعذر الاطاعة العلمية فليست الحجة فيه كالحجة في الامارة اذ الحجة في الامارة ما يقع طريقا لمتعلقه والحجة في الظن الانسدادي على الحكومة فانما يقع في طريق اسقاط التكليف.

وبالجملة الذي هو محل البحث في الحجية هي التي تكون وسطا لاثبات التكليف لا مرجعا في مقام الامتثال كالظن الانسدادي بناء على الحكومة كما ان محل الكلام في الطرق المتعلقة بالاحكام الشرعية لا الطرق التي تتعلق بالامور العادية كالظن بالماء والجدار والخشب ونحو ذلك فلا تغفل.

١٤١

مثبت للتكليف لا انه مسقط كما هو مبنى من يقول بالتبعيض.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المنجزية والمؤمنية من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية يقطع بعدم تحققها وحينئذ لا يبقى مجال للشك في تحققها لكي يرجع الى استصحاب عدم الحجية إذ يكون من قبيل ان ما هو محرز بالوجدان محرز بالتعبد وبما ذكرنا اعترض الاستاذ على الشيخ الانصارى (قده) بما حاصله أن عدم الحجية من آثار نفس الشك وعدم احراز التعبد إذ بمجرد الشك وعدم العلم يتحقق عدم الحجية فلا مجال لاستصحاب عدم الحجية بعدم ترتب اثر عليه وقد دفع الاستاذ بعدم احتياج الاستصحاب الى الاثر إذا كان مؤداه قابلا للجعل الشرعي كما في المقام فان الحجية لما كانت قابلة للجعل فقابلة للرفع فلا مانع من جريان الاستصحاب سواء كان هناك اثر شرعي على المستصحب أم لا ولكن لا يخفى ان ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) مبنى على ما اختاره من ان الحجية قابلة للجعل وان المجعول في باب الطرق هي الحجية وان المستفاد من اخبار الاستصحاب انشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الاحكام ولاحكامه في استصحاب الموضوعات. واما لو قلنا بعدم جعل الحجية أو قلنا بها ولم نقل بجعل المماثل قلنا بانه بلحاظ الجري العملي لم يتوجه الاشكال إذ حينئذ لم تكن تلك الآثار من آثار عدم الحجية لكي يجري الاستصحاب بل من آثار نفس الشك فبمجرد تحقق الشك تترتب تلك الآثار لتحقق موضوعها على انه لو سلمنا ان تلك الآثار تترتب على الشك وعلى العلم بعدم الحجية ولكن القاعدة تقدم في المقام على الاستصحاب لكونها اسبق موردا من الاستصحاب حيث ان موضوعها الشك فبمجرد حصوله بتحقق اثره وهو عدم الحجية فلا يبقى مجال لجريان استصحاب عدم الحجية لكي

١٤٢

يترتب ذلك الاثر وبعبارة أخرى ان الاثر لما كان مترتبا على الجامع بين الشك والعلم بالعدم فاذا تحقق الشك ترتب الاثر لسبقه على جريان الاستصحاب الموجب لتحقق عدم العلم الذي هو أحد فردى الجامع المفروض انه موضوع الاثر بل لا فائدة في تحصيل الفرد الآخر للجامع فان الجامع لما تحقق في ضمن احد فردى موضوع ترتب الاثر المشترك فلا مجال لاعمال اصل يوجب تحقق موضوع الآخر لوضوح انه لا فائدة فيه مع ترتب الاثر على الفرد السابق المحقق للجامع اللهم إلّا ان يقال بان هذا يتم لو كان مترتبا على الجامع بين العلم بالعدم والشك واما لو كان الاثر يترتب على الواقع فيكون المورد مجمعا للقاعدة وللاستصحاب وقد ذكر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة كما لو شك في وجوب شيء وقد فرض عدم وجوبه سابقا فمشكوك الوجوب يكون مجمعا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولاستصحاب عدم الوجوب وقد قرر في محله ان الاستصحاب مقدم على القاعدة اذ بجريان الاستصحاب يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس وكقاعدة الطهارة واستصحابها فان استصحاب الطهارة حاكم على (كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر (١) وبالجملة ان الاثر ان كان مترتبا على

__________________

(١) ولكن لا يخفى انه ربما يفرق بين المقام وقاعدة الطهارة بناء على ما ذهب اليه المحقق الخراساني قدس‌سره في كفايته من ان مفاد قاعدة الطهارة انما هو حكم في ظرف الشك بحيث يكون المكلف عند الشك بالطهارة واجدا لها واقعا فمع انكشاف الخلاف يتبدل الموضوع فحينئذ يكون المجعول في حق كل مكلف طهارتين احدهما في مورد العلم والثانية في مورد الشك فحينئذ جريان الاستصحاب يحقق العلم بالغاية وهو العلم بالطهارة أو النجاسة فيرتفع موضوع القاعدة بخلاف المقام فان الاثر لما كان للجامع فمع تحقق الشك يتحقق موضوع القاعدة فيترتب

١٤٣

الواقع فلا موقع إلا للاستصحاب وان كان مترتبا على الشك فلا

__________________

الاثر لسبقه فلا يبقى بحال للاستصحاب ولكن الانصاف ان الالتزام بان مفاد قاعدة الطهارة هو ما ذكر محل منع لما يلزم عليه من اللوازم التي لا يمكن ان يلتزم بها مثل القول بعدم الاعادة لمن توضأ بماء محكوم بالطهارة للقاعدة وصلى ثم انكشف نجاسة الماء باعتباره واجدا للطهارة الواقعية الثانوية وكالالتزام بطهارة الملاقي المشكوك الطهارة والنجاسة وان انكشف بعد ذلك انه بول الى غير ذلك من اللوازم التي لا يلتزم بها وقد ذكرنا في محله ان دليل القاعدة لا يفيد جعل الحكم في مورد الشك وبيان توسعة دائرة الاشتراط بل مفاده هو احراز الواقع بها وتنزيل مؤداها منزلة الواقع فما دام الخلاف لم ينكشف يحب ترتيب الطهارة على المشكوك فاذا انكشف الخلاف يجب العمل على طبقه وهكذا اصالة الاباحة مع الاستصحاب فان الاستصحاب مقدم على اصالة الاباحة اذ المجعول في باب الاستصحاب تنزيل المودى منزلة الواقع وفي باب الامارة نفس العلم واليقين التعبدي وكلاهما يرفعان الشك الذي هو موضوع اصالة الاباحة ويقدمان عليه بنحو الورود أن أخذ العلم في القاعدة ما يعم الظاهري وبنحو الحكومة ان أخذ العلم خصوص الواقعي اللهم إلا ان يقال ان المقام لا يقاس على ما ذكر اذ المفروض ان الاثر قد ترتب على الشك والعلم بعدم الحجية ولازمه ان يكون الاثر قد ترتب على الجامع بينهما ويكون كل واحد منهما فردا للجامع فمع تحقق الشك فقد تحقق أحد فردي الجامع بالوجدان فلا محيص عن ترتب الاثر فحينئذ لا يحتاج إلى اثبات العلم بالعدم بالاستصحاب للزوم تحصيل الحاصل اذ احراز ما هو حاصل بالوجدان يحرز بالتعبد أو لغوية الاستصحاب هذا غاية ما يقال في المنع عن جريان الاستصحاب ولكن الإنصاف انه لا يلزم ما ذكر في المنع اما عن الاولين فالعقل انما يحكم بمجرد الشك في الحجية انما هو عدم الحجية الفعلية وما هو مورد الاستصحاب هو انشاء

١٤٤

يجري الاستصحاب بل هو مجرى القاعدة وان كان مترتبا على الواقع والشك فهو مورد لهما إلّا ان الاستصحاب حاكم على القاعدة كما هو كذلك بالنسبة الى ما نحن فيه فان الاثر مترتب على الجامع بين الشك والعلم بالعدم ولكن الانصاف ان المقام ليس مما كان موردا لهما كمسألة الطهارة ونحوها إذ الأثر مترتب على الجامع لا من آثار عدم الحجية واقعا فبمجرد حصول الشك يتحقق الاثر لأسبقيته فلا مجال لجريان الاستصحاب كما لا يخفى وقد يقرر الاصل بتقرير آخر وهو ان المقام دائر بين الوجوب والتحريم فاذا كان كذلك فيرجع الى التخيير لكونه دائرا بين محذورين ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المقام غير دائر بينهما بل مما قطع بالتحريم فان مجرد الشك يكفى في اثبات التحريم فلا يكون المقام مرددا بين المحذورين لكي يرجع إلى التخيير اللهم إلّا ان يقال ان الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا فيكون المقام من دوران الامر بين الوجوب والحرمة وبذلك التزم الشيخ الانصاري بناء على كون الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا ولكن لا يخفى انه بناء على ذلك لا يمكن الالتزام به اذ يكون من قبيل دوران الامر بين وجوب

__________________

الحجية فما هو مورد الاستصحاب غير مورد القاعدة فلم يكن ما هو محرز بالوجدان يحرز بالتعبد او ما هو حاصل يراد تحصيله وأما عن محذور اللغوية فحكم العقل انما هو في طول الحكم الشرعي بان يكون الاثر يترتب على الشك بحكم العقل لو لا التعبد فالعقل وان كان مستقلا بعدم جواز الاستناد إلى مشكوك الحجية إلا انه منوط بعدم التعبد الشرعي فاذا ثبت كان الاثر مترتبا فعلى التقديرين يستقل العقل بعدم الحجية إلّا انه على الاول يستقل بما انه مشكوك الحجية وعلى الثاني بما انه مقطوع العدم بلحاظ التعبد فلا لغوية في جريان الاستصحاب فلا تغفل

١٤٥

الاخذ بالتعبد بالظن وبين وجوب التعبد بالاصول فحينئذ اما الحكم بالتخيير بين الوجوبين أي وجوب الاخذ اما بالتعبد بالظن او بالاصول او بتعيين الاخذ بالاصول والظاهر هو الثانى لرجوع المقام الى الشك في تخصيص ادلة الاصول وحينئذ يرجع الى اصالة عدم التخصيص ويعمل بالاصول.

وبالجملة لا يكون المقام من دوران الامر بين محذورين الوجوب او الحرمة بل يكون من قبيل دورانه بين الوجوبين وقد يقرر الاصل بان المقام من دوران الامر بين تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية او خصوص الاعتقاد القطعي والعقل يحكم في مقام دوران الامر بين التخيير والتعيين هو التعيين ، وقد اورد الاستاد قدس‌سره بان ذلك بتم في صورة ثبوت التكليف واما بالنسبة إلى سقوط التكليف فالظاهر جريان البراءة من خصوصية التعيين واثبات التخيير ولكن لا يخفى ان المقام ليس من مقام السقوط لكي يرجع الى البراءة بل المقام ليس من ذاك القبيل وانما هو من قبيل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال على العلم بالواجب بنحو يوجب انحلاله حكما فحينئذ يرجع الى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي في خصوص الاعتقاد القطعي او مطلق الاعتقاد على ان ادلة الاصول تدل على تحريم العمل بالظن ومخالفتها مخالفة قطعية فيجب الاخذ بالاصول وترك العمل بالظن مضافا الى ان تحصيل الاعتقاد بالاحكام انما هو مقدمة للعمل بها والحاكم بذلك العقل فلا معنى للترديد في حكم العقل وقد يقرر الاصل بما قرره السيد المحقق الكاظمي قدس‌سره بان الاصل في الاشياء الاباحة ومن جملتها العمل بالظن المشكوك اعتباره ولكن لا يخفى ان العمل بالظن تارة يكون لدينا طرق معتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال فلا اشكال في وجوب العمل بها ويحرم العمل بالظن واخرى

١٤٦

لم يكن لدينا طرق اصلا او ليست بمقدار المعلوم اجمالا فينتهي الامر الى للعمل بالظن فيجب العمل به لكونه اقرب من غيره الى الواقع فيكون العمل حينئذ بالظن واجبا لا جائزا ففي أي مورد يكون العمل بالظن مباحا إذ هو اما محرم أو واجب على ان التعبد بغير العلم من التشريع المحرم الحاكم قبحه العقل من غير ان يستتبع حكما شرعيا مولويا بنحو لو ورد خطاب شرعي يكون ارشادا لحكم العقل إذ مع حكمه لا يبقى مجال لاعمال المولوية وهذا هو ملاك الاوامر الارشادية كالاوامر الواردة في باب الاطاعة لما عرفت منا غير مرة انها تحمل على الارشاد لحكم العقل لعدم وجود ملاك المولوية مع حكم العقل بحسن الاطاعة إذ هي انما تحصل مقدمة لتحصيل الغرض فاذا كان العقل حاكما بالتحصيل فلا يبقى مجال لاعمال المولوية كما هو كذلك في التجري ولذا حمل الشيخ (قده) الادلة على حرمة التشريع على الارشاد فدعوى بعض الاعاظم من ان النواهي الواردة تحمل على المولوية بناء على ان التشريع واقع في سلسلة العلل الذي هو ملاك الاوامر والنواهي المولوية وليست واقعة في سلسلة المعلولات الذي هو ملاك الارشادية فهو محل نظر لما عرفت ان الاوامر والنواهي انما هي مقدمة لتحصيل الغرض فمع حصول الغرض من حكم العقل بالحسن او القبح لا يبقى مجال لاعمال المولوية وحيث ان العقل يستقل بقبحه فحينئذ كيف يمكن اعمال المولوية الذي هو ملاك الارشادية من غير فرق بين ان يكون في سلسلة المعلولات او العلل (١) وهذا القبح يسري

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان حكم الشارع اذا كان في سلسلة المعلولات غير قابل لاعمال المولوية إذ تلك المرتبة تعد من مراتب الاطاعة والانقياد لحصوله بعد حكم العقل بتحصيل الغرض فلا يكون معنى للأمر المولوي الملقى لأجل

١٤٧

الى الفعل الخارجي فتسرى الحرمة التشريعية الى ما في الخارج لانطباق عنوان

__________________

تحصيل الغرض فلذا يحمل على الارشاد لحكم العقل بخلاف ما اذا كان في سلسلة العلل فانه يمكن اعمال المولوية من انبعاثه نحو تحصيل الغرض فان الاحكام العقلية الواقعة في هذه السلسلة الراجعة إلى التحسين والتقبيح العقليين الناشئين عن ادراك المصالح والمفاسد هي التي تكون موردا لقاعدة الملازمة فحكم الشارع في هذه السلسلة يكون أمرا مولويا ينبعث عن ارادة لايجاد العمل ومحركا نحوه بخلاف ما اذا كان في سلسلة المعلولات فانه غير قابل للتحريك نحو المراد لحصوله من حكم العقل ولازمه ان يكون ارشادا الى حكم العقل.

وبهذا يفرق بين الاوامر والنواهى الارشادية والمولوية وهذه التفرقة تحصل لمن له ادنى تأمل ولا يحتاج الى مثل ذلك الى اكثر مما ذكر والعجب من بعض في شرحه للرسائل حيث قال متعجبا من بعض الاعاظم حيث فرق بينهما بالوقوع في سلسلة المعلولات والعلل مع انه غير فارق وبلا دليل وبرهان وما كفاه مراجعة وجدانه فانه لو راجعه وجدان هذه التفرقة حاصلة لمن له ادنى تأمل واعجب من ذلك انه تفطن لامر في نظره قد اتى بشيء جديد ويتعجب من غفلة بعض الاساطين عنه فقال ما هذا لفظه : (فكل خطاب من الشارع كان مستتبعا لاستحقاق العقاب كان مولويا الى ان قال وكل خطاب لم يكن كذلك كان ارشاديا) ولا يخفى ان تشخيص كونه مولويا او ارشاديا تظهر قبل مرحلة الاستحقاق اذ هي متأخرة عن ذلك فان استحقاق العقاب انما يكون بعد امكان اعمال المولوية ومع عدم امكان اعمال المولوية يكون ارشاديا فلا تترتب العقوبة وقد عرفت انه ان كان في سلسلة العلل يمكن اعمال المولوية فيستحق العقوبة وان كان في سلسلة المعلولات فلا مجال لاعمال المولوية فلا يستحق العقوبة وهذا امر واضح يعرفه كل من له ذوق سليم ووجدان صحيح خال من شوائب الاوهام. ويضاف الى هذا العجب

١٤٨

التشريع عليه الذي هو من العناوين المقبحة اللهم إلّا ان يقال ان التشريع من العناوين القصدية لكى يكون نفس القصد حراما كما ذهب اليه الاستاذ (قده) في التجري فقد عرفت انه محل نظر بل منع اذ الامور القصدية لا تكون مبغوضة ويعاقب عليها ولا توجب تغيير الواقع عما هو عليه ما لم ينطبق على الفعل عنوان قبيح (١).

__________________

عجب آخر وهو انه اشكل عليه بما هو غير لازم عليه بل مما يقول به اذ اشكل عليه بمثال الاطاعة والمعصية حيث انهما حكمان عقليان واقعان في سلسلة المعلولات في حين ان الاوامر والنواهي ارشادية ولست ادرى على اى موقع يكون هذا الاشكال في حين ان بعض الاعاظم (قده) الذى اشكل عليه هو نفسه قد صرح بان هذه من الاوامر الواقعة في سلسلة المعلولات من الاوامر الارشادية على ان هذا البعض غفل عن الفرق بين حكم العقل في الحسن والقبح في سلسلة العلل وبين حكمه بهما في سلسلة المعلولات مع وضوح الفرق بينهما لما بينهما من الطولية فان الاول في مرتبة الذات وهما الحسن والقبح الذاتيين وهي التي يترتب عليها القول بالملازمة ويمكن اعمال المولوية في تلك المرتبة وفي الثانية متأخرة عن القول بالملازمة وهي مرتبة الاطاعة والمعصية ولا يمكن اعمال المولوية في تلك المرتبة فتكون الاوامر فيها ارشادية بخلاف المرتبة الاولى فانها تكون مولوية فافهم واغتنم.

(١) لا يخفى ان حكم العقل بقبح التشريع تارة يكون ناشئا من ملاك واحد بحيث يترتب عليه حكم واحد في جميع الحالات أعني حالة العلم والجهل والشك واخرى يكون بملاكين حكم في صورة العلم وحكم في صورة الجهل والشك كالضرر فان حكمه في صرف الشك بملاك آخر غير الملاك مع العلم وهو

١٤٩

وبالجملة التشريع كالتجري فكما ان عنوان التجري يوجب سراية القبح الى ما انطبق عليه هذا العنوان فكذلك عنوان التشريع باعتبار انطباقه على الفعل المتشرع به فيكون حراما وان كان في الواقع حراما ولا يكون من اجتماع المثلين

__________________

الخوف بالوقوع بالضرر الواقعي والتشريع ان كان من قبيل الاول فقد عرفت ان حكم العقل يتحقق في جميع الحالات بملاك واحد فلا يكون للاستصحاب مجال اصلا إذ مع تحقق حكم العقل بالوجدان فكيف يحرز بالتعبد وان كان من قبيل الثانى فيكون للتشريع موضوعان موضوع العلم بالعدم الذى مجرى الاستصحاب وموضوع عدم العلم ولما كان موضوع عدم العلم متحققا ومحرزا بالوجدان فلا يحتاج الى احراز الموضوع الآخر للغويته أو لأسبقيته.

ان قلت هذا الاشكال بعينه يرد على الامارات حيث ان الشيء لما احرز بالوجدان لا معنى لقيام الامارة على حجيته او عدم حجيته قلنا فرق بين الامارات والاصول من جهتين : الاول ان قيام الامارات لم يؤخذ في موضوعها الشك والاصول قد اخذ في موضوعها الشك ، الثانى ان المجعول في الامارات الوسطية في الاثبات وبعبارة اخرى المجعول فيها هو المرتبة الثانية من الاحراز بخلاف الاصول فان المجعول فيها هو الجرى العملي فلذا تكون الامارة موجبة لرفع الشك الذى هو موضوع القاعدة.

وبالجملة يصح قيام الامارة على عدم الحجية دون الاصل اذا عرفت ذلك فاعلم انه وقع الكلام في ان حكم العقل يقبح التشريع هل هو حكم طريقي فيكون نظير حكمه بقبح الاقدام على ما لا يؤمن منه الوقوع في الظلم او لا يكون طريقيا بنحو يكون تمام المناط في نظر العقل هو اسناد ما لا يعلم الى الشارع من دون دخل للواقع في ذلك ، الظاهر هو الثاني وفاقا للاستاذ

١٥٠

لما عرفت بينهما طولية. ودعوى ان التشريع انما يتحقق فيما اذا لم يكن الواقع محكوما يحكم ممنوعة فان التشريع موضوعه اسناد ما لم يعلم كما ان اسناد ما يعلم ليس من التشريع ولو لم يكن في الواقع موجودا.

__________________

المحقق النائيني (قده).

بيان ذلك ان التشريع المحرم لما كان موضوعه هو اسناد ما لا يعلم الى الشارع فليس له واقع يصيبه المكلف أو لا يصيبه بل واقعه هو نفس اسناد الشىء الى الشارع مع عدم علمه بتشريعه فليس حكم العقل بقبح التشريع لحكمه بقبح الظلم مما يكون للعقل حكمان حكم موضوعى موضوعه قبح التصرف في أموال الناس واقعا مع العلم وحكم آخر طريقى لقبح ما يشك كونه من أموال الناس بنحو لو خالف واتفق انه لم يكن مال الناس في الواقع فليس عليه إلا عقوبة التجري لما عرفت انه ليس للعقل في قبح التشريع إلا حكم واحد بنحو يعم العلم والظن والشك فهو بقبح الضرر فان قبحه يحكم به العقل بملاك واحد فان موضوعه هو عدم الامن في الوقوع في الضرر سواء في ذلك العلم بالضرر أو الظن او الشك من غير دخل للواقع بوجود الضرر واقعا ام لا ويدل على ذلك تسالم الاصحاب بان سلوك الطريق الذى لا يأمن الخطر يكون من سفر المعصية فيجب اتمام الصلاة عند انكشاف الخلاف.

ودعوى البعض في شرحه للرسائل بان العمل بالظن لعدم حصول القطع غالبا وإلّا يلزم لغوية ترتب الاحكام المترتبة على الضرر وجعله من الانسداد الصغير تمحل لا يرجع الى محصل على ان التشريع المحرم لما كان من سلسلة العلل يمكن استكشاف الحكم الشرعى لقاعدة الملازمة فلا يبقى للانسداد الصغير أو الكبير مجال فلا تغفل.

١٥١

وكيف كان فمع سراية الحرمة الى الخارج فيكون مقطوع الحرمة فلا يكون شك لكي يجرى الاصل هذا على المختار من السراية الى ما في الخارج باعتبار انطباق عنوان عليه ، واما على غير المختار فيجري الاصل من غير فرق بين دورانه بين الوجوب والاباحة او التحريم والاباحة او التحريم والوجوب ، اما على الاولين فواضح ، واما على الأخير فليس المانع من جريان الأصل إلا العلم الاجمالى وهو غير مانع لعدم لزوم المخالفة القطعية بناء على مختار الشيخ (قدس‌سره) واما على المختار فالعقل حاكم بالتخيير فلا مجال لجريان الأصل وكيف كان فجميع ما ذكر من الاصول لتأسيس الأصل غير جارية لما عرفت من ان نفس الشك موجب للقطع بعدم الحجية ومعه لا يبقى مجال لجريان الاصول العملية لانتفاء الشك الذي هو موضوع الأصل مضافا الى انها لا تجرى حتى القاعدة المذكورة لاجل دلالة ادلة الاجتهادية من الآيات والروايات على تقدير تمام دلالتها فحينئذ لا يبقى مجال للقاعدة فضلا عن جريان الاصول هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل وقد عرفت انه يحرم التعبد بالظن إلا ما خرج من ذلك. واما بيان ما خرج او قيل بخروجه يحصل في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

حجية الظواهر

المبحث الثالث في الظواهر والكلام فيها يقع في مقامات ثلاثة الاول في حجية الظواهر (١) الثاني في حجية ظواهر الكتاب ، الثالث في حجية

__________________

(١) لا يخفى ان البحث عن حجية الظهور بحث عن المسائل الاصولية

١٥٢

قول اللغوي.

المقام الاول في حجية الظهور فنقول لا اشكال في اعتبار الظهور وانه مما هو متسالم عليه عند العقلاء في محاوراتهم وبنوا عليه في جميع امورهم وليس للشارع طريقة خاصة في محاوراته بل هى امضاء لطريقتهم مع عدم تحقق الردع منه ويكفى في تحقق الامضاء عدم تحقق الردع منه والظاهر ان سيرة العقلاء منعقدة على الاخذ بالظهور من دون تقييد بان لا يكون ظن على الخلاف كما انه لا يقيد بحصول الظن على الوفاق كما توهم نظرا الى ما يشاهد من ان العقلاء لا يقنعون في امورهم المهمة كالاموال والاعراض والنفوس بمجرد الظهور بل يحتاج الى الظن والاطمئنان والوثوق في تحصيل الواقع بنحو لو احتملوا خلاف الظاهر يتوقفون كما هو كذلك بالنسبة الى كلام الطبيب فانه لا يعملون بظاهر

__________________

لما عرفت من ان الضابط فيها ان تكون كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية والبحث عن حجية الظواهر من هذا القبيل نعم لو جعلنا موضوع الاصول الادلة بقيد الدليلية كما جعله صاحب القوانين (قده) يكون البحث فيها من المبادئ لكون البحث فيها بحثا عن جزء الموضوع إذ البحث فيها عن دليلية الدليل والبحث عن الموضوع او جزئه يعد بحثا عن المبادئ ولكنك قد عرفت ان الموضوع في الاصول عما يعم الادلة لا بما هي هي ولا بقيد الدليلية واما البحث عما يوجب تعيين الظهور وتشخيصه كالبحث عن قول اللغوى وعن القرائن العامة المشخصة للظهور كوقوع الامر عقيب الحظر ونحو ذلك مما يوجب انعقاد الظهور في المعانى الافرادية والجمل التركيبية خارجة عن الاصول وانما هي من المبادئ كالبحث عن الرواة والسند وما ذكره البعض في شرحه للرسائل بانها من الاصول معترضا على ما ذكره بعض الاعاظم (قده)

١٥٣

كلامه وانما يعملون بكلامه فيما اذا لم يحتمل الخلاف بنحو يطمئن بكلامه ولكن لا يخفى ان ذلك توهم فاسد إذ كلام الطيب ونحوه من الامور المهمة التي عليها سيرة

__________________

من انها من المبادئ بدعوى انها من الكبريات التي تقع في طريق الاستنباط ففي غير محله إذ ليس كل ما يقع طريقا للاستنباط من الاصول وإلّا النحو والبلاغة والصرف تقع في طريق الاستنباط وانما الذي يعد من الاصول هو ما يكون الجزء الاخير من العلة بنحو يكون كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية والعجب من التزامه بان البحث عن الرواة والسند من المبادئ لكون البحث فيها بحثا صغرويا راجعا الى وجود الموضوع الذي هو حجية خبر الواحد بلا ان يكون كبرويا اصلا بخلاف البحث عن المذكورات فان الذي يظهر منه ان مناط المسألة الاصولية عنده البحث الكبروي ومناط غيرها بحث صغروي مع ان البحث عن كل فاعل مرفوع وكل مفعول منصوب ونحو ذلك من الكليات في علم النحو والمنطق والمعاني والبيان وكليات علم الرجال واقعة في طريق الاستنباط مع ان القوم التزموا بانها من المبادئ وليس إلا انها ليست بنحو الجزء الاخير من العلة فضابط المسألة الاصولية هي كبرى لو انضمت الى صغراها لانتجت مسألة فرعية وهذا الضابط لا ينطبق على مثل قول اللغوي وقول الرجالي وكل ما يوجب تشخيص الظهور اذ كل ذلك من المبادئ الموجبة لتشخيص الظهور الذي هو موضوع الحجية وان كان البحث عن تلك الامور ابحاثا كلية والوقوع في طريق الاستنباط بتوسط انها من مشخصات الظهور كخروج دلالة الامر على الوجوب والنهي على الحرمة وامثال ذلك مما عرفت انها من المعدات وليس البحث عنها من قبيل الجزء الاخير من العلة لكي تدخل تحت الضابط في المسألة الاصول وقد غفل البعض عن ذلك فقال لا وجه له وقد عرفت وجهه وقد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده).

١٥٤

التجار في مراسلاتهم بحيث لو تطرق ادنى احتمال لتوقفوا ولم يقدموا على ما يحتمل الخسارة فمثل هذا يطلب منها تحصيل الواقع بخلاف المقام المطلوب منه الاخذ بالظهور للخروج عن عهدة التكليف ويحصل له الامن من تبعة التكليف فانه لا اشكال ولا ريب ان سيرة العقلاء قد انعقدت على الاخذ بمطلق الظهور (١) ولذا لا يقبل

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ النائيني (قده) ان للظواهر جهات ثلاث : الاول ظواهر المعاني الافرادية وتسمى بالدلالة التصورية ، واخرى الجمل التركيبية وتسمى بالدلالة التصديقية ، وثالثة في تعيين المراد من الدلالة التصديقية اما الظهور في الدلالة التصورية فهو حاصل بمجرد التلفظ بالمفردات ولا يحتاج الى اكثر من معرفة المعنى اما من الوضع أو العرف ، واما الدلالة التصديقية التي هي في الجمل التركيبية خبرية أو انشائية فينعقد لها ظهور فيما اذا لم يكن هناك قرينة متصلة فمعها يرتفع ظهور (ما قال) ولا يتوقف تحققه على انتفاء قرينة منفصلة واما تعيين المراد من الدلالة التصديقية المساوق الى انه (ما ذا أراد) فمتوقفة على انتفاء القرينة المنفصلة ثم ان الدلالة التصورية قد تتفق مع الدلالة التصديقية كما اذا لم يحتف بالكلام قرينة المجاز أو التقييد أو التخصيص ونحو ذلك مما يوجب صرف مفاد الجملة الكلامية عما يقتضيه مفاد المفردات وقد يكون مفاد الجملة مغايرا لمفاد المفردات كما اذا احتف بالجملة ما يوجب صرفها مما يقتضيه مفاد المفردات وكذا الدلالة التصديقية تتوقف على فراغ المتكلم من كلامه فانّ للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القرائن فما دام متشاغلا لا ينعقد لكلامه الدلالة التصديقية فلا يصح ان ينقل كلامه ما دام متشاغلا الى ان يفرغ من كلامه بخلاف الدلالة التصورية فانها تحصل في حال تشاغل المتكلم بكلامه فان السامع ينتقل ذهنه الى معاني المفردات مع تشاغله بالكلام.

١٥٥

عذر العبد لو اعتذر بمخالفة الظهور او عدم حصول ظن بالوفاق او حصل ظن بالخلاف ويقبل قوله لو احتج بظهور الكلام كما انه لا يعتبر في العمل بالظهور من

__________________

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المتكفل للدلالة التصورية هي الاوضاع اللغوية وغيرها من معرفة المعانى العرفية والمتكفل للدلالة التصديقية ان كانت على خلاف مفاد المعاني الافرادية هي القرائن التي تحتف بالكلام وهي قد تكون عامة كوقوع الامر عقيب الحظر نحوه وخاصة ، فينعقد لها ظهوران لم يكن فيها قرائن واتباع الظهور مما قامت عليه السيرة العقلائية فمن ذلك يستكشف كون الظاهر مرادا وهي الجهة الثالثة من الظواهر ولكن تفترق عما تقدم بان استكشاف مراد المولى يحتاج إلى الاطمئنان لكونه مرادا فمع عدم حصول الاطمئنان كمن كان من عادته الاعتماد على القرائن الخارجية فلا يجوز له الاخذ بظاهره لاحراز مراده قبل الفحص عن القرائن المنفصلة واما بعد الفحص فلا مانع من الاخذ بالظاهر كما هو قضية الاخبار فانه لا يؤخذ بظاهرها ما لم يتفحص عن القرائن المنفصلة نعم يجوز الاخذ بظاهرها بعد الفحص وهذا لا ينافى ان بناء العقلاء على الاخذ بالظاهر ولو لم يحصل لهم الوثوق فان ذلك في مقام الحجة والاحتجاج وحينئذ ليس للمولى مؤاخذة العبد على العمل بالظاهر بخلاف تعيين مراد المولى فانه في مقام تعلق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلم من ظاهر كلامه فهو لا يكون إلا بعد الوثوق بان الظاهر هو المراد وليس ذلك تفصيلا في بناء العقلاء باعتبار ظاهر دون ظاهر وانما هو اقتضاء دليل الحجية وطريقة الاحتجاج بين المولى والعبيد فما ذكره بعض في شرحه للرسائل من التشويش في كلماته في غير محله. واعجب من ذلك انه نسب إلى الاستاذ ما هذا لفظه نفى بناء العقلاء في جميع المقامات على التعبد مع الشك وعدم حصول الوثوق والاطمئنان مع انه صرح الاستاذ بانه اذا كان الغرض الالزام والالتزام بالظواهر في مقام الحجة والاحتجاج فان مثل ذلك لا بد فيه من الاخذ

١٥٦

حصول الظن الفعلي وإلّا لسدّ باب المعارضة بين الاخبار والاخذ بالمرجحات لانتفاء الظن الفعلي بالمتنافيين لكي ينتهي الامر الى الترجيح او التخيير.

بيان ذلك انه لو اعتبرنا الظن الفعلي بكل واحد من الخبرين المتعارضين فيلزم اما عدم العمل بكل واحد منهما فيما اذا لم يفد كل واحد منهما الظن الفعلي او الاخذ باحدهما لو أفاد الظن الفعلي وكلاهما محل منع أما الاول فواضح المنع وإلّا لزم الظن الفعلي بالمتنافيين ، واما الثاني يلزم تعارض الحجة مع اللاحجة على انه مناف لاعمال المرجحات إذ ذلك يوجب تحقق الملاك في كل من الخبرين وهو الاخذ بظهور كل واحد منهما حتى مع الظن بالخلاف وهذا مراد من اعتبر الظهور من باب الظن النوعي بمعنى انه حجة مطلقا ولو كان هناك ظن على الخلاف نعم لو قام ظن اطميناني على خلافه فلا يعمل به لعدم انعقاد السيرة على اتباع مثل ذلك فلا يكون الظاهر متبعا لعدم وجود مقتض للحجية لا لوجود المانع.

فان قلت اعتبار الظن الاطمئناني يكون مانعا من اتباع الظهور فيستند الى وجود المانع لا لعدم المقتضي. قلت الاعتبار بالسيرة العقلائية اذا انضم اليها امضاء من الشارع والمفروض في المقام لم يتحقق امضاء بل حصل الردع من جهة الظن

__________________

بظاهر الكلام ولو لم يحصل الوثوق بكونه هو المراد.

وبالجملة لم تنعقد سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور فيما لو اريد تحصيل الواقع كما هو كذلك في سيرة التجار والعمل بقول الطبيب ونحو ذلك مما يتعلق الغرض بتحصيل الواقع نعم السيرة منعقدة على العمل بالظواهر فيما يكون في مقام الخروج عن عهده التكليف والامن من تبعة التكلف ولو لم يحصل الوثوق والاطمئنان وذلك ليس تفصيلا في بناء العقلاء ولا في حجية الظواهر وقد غفل البعض عن ذلك فافهم وتأمل.

١٥٧

الاطمئناني فلا بد ان يكون عدم الاعتبار بالظهور الذي جاء على خلافه ظن اطمئناني مستند الى عدم المقتضى.

وبالجملة الظهور يتبع ما لم يقم ظن اطمئناني على خلافه من غير فرق بين ان يكون ظن غير معتبر على خلافه ام لا ، لا يقال انه مع حصول ظن على الخلاف يشك في شمول السيرة العقلائية له ومع الشك في ذلك لا يؤخذ به إذ هي دليل لبى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن وهو الاخذ بالظهور ما لم يكن هناك ظن على الخلاف ، لانا نقول بان معقد السيرة اطلاق الاخذ بالظهور وتقييدها بما اذا لم يكن ظن على الخلاف ينافي اطلاقها ومع تحقق اطلاق الدليل لا يؤخذ بالقدر المتيقن ولو كان الدليل لبيا ، كما انه لا اشكال في انعقاد السيرة العقلائية على الاخذ بالظهور فيما لو شك في خروج ما هو من افراد العام عن حكمه مع القطع بفرديته للعام كما لو قطع بان زيدا عالم. وشك في خروجه عن وجوب اكرام العلماء. نعم وقع الاشكال لو قطع بخروجه عن حكم العام ولكن شك في فرديته للعام كما لو ورد اكرم العلماء وعلم ان زيدا لا يجب اكرامه وشك في ان زيدا عالم وخرج من العموم حكما فيكون من باب التخصيص او جاهل فيخرج من عموم العام موضوعا فيكون من التخصص فهل يتمسك بالظهور ويحكم على زيد بانه ليس بعالم فيكون من باب التخصص ام لا؟ قيل بالاول والظاهر هو الثاني لعدم ثبوت بناء العقلاء على الاخذ بالظهور في مشكوك الفردية مع العلم بخروجه حكما على ان السيرة العقلائية من الادلة اللبية فيؤخذ فيها بالقدر المتيقن وهو ما لو شك في الخروج عن حكم العام مع القطع بفرديته للعام ولذلك امثلة متفرقة في ابواب الفقه (١).

__________________

(١) من الامثلة غسالة الاستنجاء فيما لو شك في طهارتها أو نجاستها

١٥٨

ثم انه لا اشكال في عدم اعتبار الظهور الصادر من النائم والغافل لعدم

__________________

حيث استدل على طهارتها بعموم ما دل على عدم جواز استعمال النجس ولكن الظاهر ان ماء الاستنجاء نجس معفو عنه اما لما سلكه الشيخ (قده ،) من انه لدينا عمومات ثلاثة احدها ان النجس منجس ثانيها المتنجس منجس ثالثها الماء القليل يتنجس بالملاقاة وحينئذ ان قلنا بطهارة ماء الاستنجاء لزمنا رفع اليد عن العموم الاول وهو ان النجس منجس وان قلنا بطهارة الماء ونجاسة ملاقيه رفعنا اليد عن ان المتنجس منجس وبعد العلم بلزوم رفع اليد عن احدهما يقع التعارض بين هذين العمومين وبعد التساقط يكون المرجع العموم الثالث وهو نجاسة الماء القليل بملاقاته للنجاسة فاذا رجعنا اليه يحكم نجاسة ماء الاستنجاء إلا انه لا ينجس ملاقيه للادلة الخاصة واما لما سلكه بعض اجلة العصر من عدم وجود عمومات لفظية ليقع الكلام فيها إلّا انه يمكن لنا ان نتصيد من ادلة شتى قاعدة لبية وهي سراية النجاسة من الملاقي (بالكسر) الى الملاقى (بالفتح) ولا بد لنا من رفع اليد عن مقتضى السراية في المورد اما في الماء أو الثوب ولعل تقدم الزمانى نافع في المقام فان الماء في رتبة ملاقاته للنجاسة سابق على ملاقاة الثوب وحينئذ يكون الماء محكوما بالنجاسة في أول ملاقاته للنجاسة وعند الوصول الى ملاقاته للثوب يتعين الخروج عن مقتضى السراية أو يقال ان الثوب لا تجرى فيه ادلة السراية اما لخروجه موضوعا لو قلنا بطهارة الماء أو لخروجه حكما لو قلنا بنجاسة الماء وحينئذ يتعين جريان ادلة السراية في الماء لانها فيه بلا معارض هذا ونحن قد اطنبنا البحث في بحوثنا الفقهية وقد تنظرنا في كلمات القوم إلّا انه ذكرنا اخيرا ان القواعد الاولية تقتضى ان الماء القليل ينفعل بملاقاته للنجاسة وذلك يقتضى نجاسة ماء الاستنجاء إلا انه وردت روايات تدل على عدم تنجيسه للثوب وما يترشح على البدن ولذا

١٥٩

جريان السيرة العقلائية على اعتبار مثل هذا الظهور خصوصا لو قلنا برجوع اصالة عدم الغفلة وعدم القرينة الى اصالة الظهور اذ ذلك موجب لعدم تحقق الظهور واما تعليل البعض بعدم واقع لمثل هذا الظهور يمكن مطابقته له ففي غير محله اذ ربما يكون له واقع يطابقه ذلك الظهور فيكون حجة للسامع كما ان دعوى ان مثل هذا الظهورات خارجة عما نحن فيه اذ لا ارادة للمتكلم لمثل ذلك فمع فرض مطابقة الظهور للواقع لا يجب اتباعه للقطع بعدم تحقق ارادة له محل منع اذ ذلك انما يتم لو كان اعتبار الظهور لاجل مطابقته لارادة المتكلم ولكنك قد عرفت انه لا تعتبر معرفة ارادة المتكلم بل الظهور حجة على العبد ولو لم يكن مرادا واقعا وينبغى التنبيه على امرين :

الاول انه ينسب الى المحقق القمي (قده) عدم اعتبار الظهور الا لمن قصد افهامه واستدل على ذلك بما حاصله ان المكلف اذا كان مقصودا بالافهام يأخذ بظاهر كلام المتكلم اذ ليس المانع من اخذه إلّا احتمال غفلة المتكلم من نصب القرينة وغفلة المخاطب من عدم تفطنه الى القرينة المنصوبة وكلاهما منفيان

__________________

يلتزم بذلك بالخصوص ونقتصر عليه ونصحح الصلاة بذلك لانه القدر المتيقن منها واما بقية احكام النجاسة فترتب عليها ولكن الانصاف ان الالتزام بذلك محل نظر لان المستفاد من نفى (لا باس) طهارة ملاقى ماء الاستنجاء وبالدلالة الالتزامية تستفاد طهارته كالملازمة بين نجاسة الملاقى ونجاسته ولذا بنى بعض الاساطين على انها دلالة التزامية لفظية وبها تخصص ادلة انفعال القليل كما تخصص ما دل على تنجيس المتنجس ومن الامثلة المعاطاة من جهة انه بيع يفيد الاباحة أو ليس بيع كما ان منها الزكاة من جهة انها متعلقة بالعين أو الذمة مع ان تعينها بيد المالك الى غير ذلك من الامثلة فلا تغفل.

١٦٠